فاطمة العروصي : من منصات التتويج العالمية إلى العيش في الظل...


 فاطمة العروصي : من منصات التتويج العالمية إلى العيش في الظل...


                                              كتب : أبو رضى

وسط زخم الأضواء التي سطع تحتها كبار الفنانين والإعلاميين، تقف فاطمة العروصي شاهدة على مسارٍ حافلٍ بالعطاء، جسّدته من خلف الكواليس، بأنامل خبيرة وعينٍ فنية راقية، لتحوّل مهنة الحلاقة إلى فنٍّ قائم الذات، وتكتب اسمها في السجلات الذهبية للمهنة وطنياً ودولياً.

ولدت فاطمة بمدينة مكناس، ثم انتقلت رفقة أسرتها إلى المدينة القديمة بالدار البيضاء، حيث ترعرعت وسط أزقتها النابضة بالحياة. في ثانوية خديجة أم المؤمنين، ستحسم الصدفة ملامح مسارها، حين التحقت بشعبة التزيين والحلاقة التي أسستها أستاذة فرنسية. ورغم طموحها الأول بدراسة الطب أو الصيدلة، إلا أن فاطمة وجدت في الحلاقة شغفًا أقرب إلى الفن، وتخرجت منها بشهادة مميزة وُصفت بـ"مبدعة جدًا".

لاحقًا، التحقت بالمعهد الموسيقي حيث التقت بعازف الأورغ المعروف عبدو العماري، الذي سيصبح زوجها وشريكها المهني. كانت ثمرة هذا اللقاء تأسيس صالون "فيغارو" بالمدينة القديمة، والذي سرعان ما صار قبلة للفنانات والمشاهير، وأحد أشهر محلات الحلاقة العصرية بالمغرب، ثم تحول بفضلها إلى مدرسة تكوين تخرج منها العديد من الكفاءات النسائية في مجال التجميل.

بفضل علاقات عبدو القوية مع أهل الفن والتلفزيون، شقت فاطمة طريقها إلى دار البريهي في مطلع السبعينات، لتتولى مهمة تجميل الصحافيين والفنانين وضيوف البرامج، قبل أن تتحول إلى "ماكيير" رسمية في الأعمال الدرامية المغربية، بشهادة مخرجين كبار أمثال فخر الدين الركاب وبن الشريف.

لمع اسمها في كواليس القناة الأولى، فأصبحت المسؤولة عن إطلالة رموز الشاشة: من عبد الهادي بلخياط وعبد الوهاب الدكالي، إلى سميرة بن سعيد والعربي باطما وبديعة ريان وغيرهم، ممن وثقوا في أناملها وسلّموا لها رؤوسهم وثقتهم.

لكن تبقى أبرز لحظة في مسيرتها المهنية تلك التي وصفتها بـ"الاستثنائية"، حين كُلّفت بتزيين رئيس الوزراء الإسرائيلي شمعون بيريز خلال زيارة رسمية إلى المغرب، لتقول: "ما زالت تلك اللحظة حاضرة في ذهني، وأنا أراه مطأطئ الرأس أمامي. زينت ملامحه ليظهر على الشاشة بشكل لائق، وأخفيت علامات التعب عن جفنيه".

ثم جاءت لحظة الإشادة الكبرى حين دعاها الفنان العالمي عمر الشريف للعمل إلى جانبه في كواليس أعماله السينمائية، لتخوض تجربة دولية من أبوابها الواسعة، وتثبت أن الحلاقة ليست مهنة ظل، بل حاضرة في صلب الصناعة الثقافية.

بعد انفصالها عن زوجها، توجه عبدو العماري إلى المجال الموسيقي، فيما تابعت فاطمة مسارها في الحلاقة والتكوين، وشاركت في واحدة من أبرز التظاهرات العالمية، مسابقة "كان الدولية"، حيث تُوّجت بـ**"الجائزة الكبرى"**، ما يعادل كأس العالم للحلاقة، في مطلع التسعينات، لتُستقبل بعد ذلك من طرف الملك الراحل الحسن الثاني، الذي هنّأها شخصيًا على تمثيلها المشرف للمغرب.

كان لقاءً تاريخيًا. جلالة الملك استقبلني وعبّر عن اعتزازه بما حققته في الخارج"، تقول فاطمة والعبرة تخنق صوتها.

غير أن مسارها الذهبي لم يشفع لها في كِبَرها. إذ تقيم فاطمة العروصي اليوم، بعد عقود من العطاء، في شقة صغيرة ضمن السكن الاقتصادي بحي شعبي في مدينة المحمدية، في ظروف اجتماعية متواضعة لا تعكس أبدًا حجم ما قدمته لمجال التجميل، ولا وفاء الوسط الفني الذي أدار ظهره لها رغم ما أسدته له من خدمات.

ورغم التقدم في السن وتدهور حالتها الصحية، لم تتلقَّ العروصي أي التفاتة مؤسسية أو تكريم يليق باسمها ومكانتها، ما يعكس واقعًا صادمًا في تعامل المجتمع مع رواد الظل، الذين رفعوا من صورة المغرب فنيًا وثقافيًا دون مقابل.



🟡 بطاقة تعريفية:


- الاسم الكامل فاطمة العروصي

- النشأة مكناس – المدينة القديمة للدار البيضاء

- الزوج السابق عبدو العماري (عازف أورغ)

- أبرز الإنجازات الجائزة الكبرى للحلاقة في "كان الدولية" (بداية التسعينات)

- التكريم استقبال شخصي من الملك الحسن الثاني

- المسار المهني ماكيير بالقناة الأولى – مدرسة تكوين – صالون "فيغارو"

- الوضعية الحالية تقيم في حي شعبي بالمحمدية وسط تجاهل الوسط الفني والإعلامي.


ما أحوجنا اليوم إلى ثقافة الاعتراف، ورد الاعتبار لهؤلاء الذين صنعوا خلف الستار صورة المغرب الراقية، وساهموا في تكوين أجيال، وتركوا أثرًا في هوية مجتمع بأكمله. فاطمة العروصي ليست فقط قصة مهنية، بل مرآة لواقعٍ يحتاج إلى إنصاف.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

المجلس الجهوي لهيئة الطبيبات و الأطباء يفتتح أول مقر خاص به

تغزوت الحسيمة: 4700 نسمة بين جبال الريف وواقع صحي مُر

للكاتب المغربي محمد خالد الشفقي ،صدور الطبعة الثانية من كتاب:"محمد السادس و نهضة المغرب"